توجد في  الانسان ميول فطريه يعيشهاالانسان طيله حياته،ومن اهم هذه الميول هو حب الانسان لنفسه،وهذا شيء طبيعي حينما يکون في اطار محدد،اما اذا خرج حب النفس عن حده الطبيعي واطاره المحدد،فحينئذ يعد نوعا من المرض النفسي في الانسان،يخرجه من حالته الطبيعيه،ويحوجه الي العلاج.و تظهر هذه النزعه في الادب عندما يمدح الشاعر نفسه بالتركيز علي ذكر اسمه وكنيته وما اليه،بحيث يظهر منه الاعجاب بالنفس والاعلاء في شانها،فعندئذ يقال ان هذاالشاعر ينزع الي النرجسيه.ولم يكن الادب العربي خاليا من هذه النزعه ،فكان من الشعراءالعرب من اكثرفي الفخر بالنفس والحب لهااكثر من الاخرين،حتي نزلت نفسه عنده منزله عشيقته،اليها يحنو ولها يشعر،منهم عمر ابن ابي ربيعه الذي تتضح عنده هذه النزعه ،بحيث يعترف اكثر الباحثين بوجود هذه النزعه فيه حيث سنشير الي ذلك خلال البحث.ويجب علينا_لدراسه هذه النزعه واي ظاهره اخرِِِي_ان ندرس الظروف الاجتماعيه و الاقتصاديه والسياسيه التي يعيشها الشاعر،لان لكل منها دون ادني شك دورا في ظهور هذه الظواهر و النزعات عنده،كما يلزمنا دراسه نفسيه الشاعرايضا،لانها تعد من اهم المسائل التي يجب ان نوليها اهتمامنا،لان هذه النزعه ترتبط ارتباطا تاما بالنفس حتي يقال_كما مر ان قلنا_انها مرض نفسي،وعلي هذا الاساس،البحث عن هذه النزعه يحتاج الي دراسه نفسيه بحته حول شخصيه الشاعر،وحياته الخاصه،وموقعه الاجتماعي و ارتباطه بالمجتمع،حتي نفهم من خلال هذه الدراسه العله او العلل الاساسيه لظهور هذه النزعه،و حق ان الاديب ابن بيئته،بسبب تأثره بها.

معني النرجسيه

لغويا تختلف المعاجم حول اصل هذه الكلمه ، يرجع بعض اللغويين اصلها الي الكلمه  الفارسيه" نرجس" كما يرجع الاخرون اصلها الي اللغه الاغريقيه،فقد جاء في كتاب «معجم المصطلحات العلميه و الفنيه»(خياط،لاتا،ص375) حول هذه الكلمه ما يلي: النرجس من الفارسيه، يطلق العبهر ايضاً علي الاصطرك . جنس زهر من الفصيله النرجسيه و نوع من النرجس، اوراقه تشبه اوراق الاسل. و تطلق ايضاً علي" النرجس البلدي" في مصر. النرجسيه من وحيدات الفلقه تشمل النرجس و الامارلس و الباهره و البصله البيضاء.و في كتاب" المنجد في اللغه(معلوف،1376،ص400)" : النرجس ، الواحده " نرجسه "نبت من الرياحين من فصيله النرجسيات، اصله بصل صغار و ورقه شبيه بورق الكراث و له زهر مستديرابيض او اصفر تشبه به الاعين( فارسيه).وفي" المعجم الوسيط"(مصطفی و الاخرون،1989،ص912) انه:" شذوذ جنسي يشتهي المرء ذاته"،و في كتاب" المورد" و " المعجم الوصفي للاصطلاحات النفسيه" و  اكثر كتب علم النفس انها كلمه إغريقيه. علي ايه حال، النرجس في اللغه نوع من الازهار ويقال انه ينبت حول الماء و ينظر في الماء. .

نفسيا«النرجسيه» اصصلاح مأخوذ من الاسطوره الاغريقيه " نرجس" الذي هام بنفسه، فطال نظره الي مياه البحيره ، معجبا" بجماله حتي حولته الالهه الي الزهره المعروفه بهذا الاسم وقد قصدبهذا التحليل النفسي تلك المرحله التي تميزت بميل الطفل الي اتخاذ ذاته موضوعا لعشقه و هو ميل يشتد في الحالات المرضيه، العصاب النرجسي هو المرض النفسي الذي يرتدفيه الليبد و يثبت في الداخل. النرجسيه (Narcissis)شذوذ جنسي فيه يشتهي الشخص ذاته، منسوب الي نارسيوس معبود عنداليونانيين يزعم انه كان يعشق ذاته (خياط،لاتا،ص375). جاء في كتاب" المورد(البعلبکی،1991م،ص604)" حول هذا الاصطلاح، نرسيسوس(Narcissus شاب جميل تزعم الاسطوره الاغريفيه انه افتتن بجمال صورته في الماء فذوي جسده وتحول الي نرجسهو ترجع اكثر المعاجم اصل هذا الاصطلاح الي الاسطوره الاغريقيه و يطلق احيانا علي زهره النرجس التی تنبت حول الماء و تنظر الي الماء..لقدراينا کثره الاختلاف حول نشاه هذا الاصطلاح في علم النفس، و رغم هذا الاختلاف، فان كلّ الدراسات تنتهي الی معنی يکمن فی هذه الکلمه و هو القصد بها الی حب الذات و الاعجاب بالنفس. والذی يهمنا هو ان النرجسيه عباره عن حب النفس و عشق الذات سواءکان اللفظ متخذا" من الاسطوره الاغريفيه ام من حكايه فارسيه.و ادبيا لشرح قضيه حب الذات عند الفنان و الحالم في اليقظه والفرق  بينهما بدا" زاخس" بين الشعر و حلم اليقظه، فوجد ان وجه الخلاف بينهما يتمثل دائماً في الدور المحدود للمبدع. فصاحب حلم اليقظه يتخذ دائماً من نفسه بطلا ،في حين ان الشاعر لايصنع هذا قط،بل  يحكي الشاعر قصته كما لوانها كانت عن نفسه، و يستخدم جزءاً كبيراً من حياته الخاصه و من شخصيته ماده لذلك و يصنع هذا بمعني يختلف تماماً عنه عندالحالم في اليقظه...فهو لاتقوده رغبه في تمجيد ذاته بل في تقصيها ،و لم يصل كاتب انساق في عمله الي التمدح بنفسه الي مستوي الفنان. فهذه الصوره من الزهو، و هذه المتعه الناشئه من نظر الانسان الي نفسه في مرآه مجمله (اي النرجسيه) لابد من التضحيه بها عند الانتقال من حلم اليقظه الذي هو بمعزل عن المجتمع.

تحقيق الفنان لذاته بان يبدع عملاً فنياً لايتم مطلقاً الا اذا كان هناك من يتلقي هذا العمل. ان علي الشاعر ان يستبعد قدراً كبيراً من نرجسيته و يحتمل ان يكون ذلك منه اكثر مما ينبغي لاوساط الناس.  رضاء الفنان عن نفسيته ( اي نرجسيته ) لايستمد من اعجاب خاص بذاته نتيجه حلم يقظه كان هو فارسه بل يستمد من بطوله عمله، اذا صح التعبير، و هذا يفسر لناان الفنان لماذا يحب دائما ان يتواري خلف عمله الفني.و ربما كان " زاخس" يعني بذلك المدرستين الكلاسيکيه و الرومانتيكيه ، فهما المدرستان اللتان تمثلان القطبين المتقابلين من تلك المدارس. فاذا طبقنا نظريته عليهما تبين لنا ان" التخفف من شعور الذنب" يرجع " تعويض النرجسيه" في المدرسه الرومانتيكيه اما في الكلاسيكيه فيحدث العكس حيث يبرز تعويض النرجسيه في اهتمام الفنانين و الشعراء البالغ بتوفير كل عناصر الجمال و الاتقان الشكلية لاعمالهم الفنيه، اما الاشكال الانتفاليه فهی الاشكال التي لايظهر فيهما هذا الرجحان  واضحا، اي المذاهب الفنيه التي يتذبذب فيها الفنان بين ترجيح احد هذين الهدفين علي الاخر.و من ثم نجدانفسنا في خلال محض تلك المقولتين، العصاب النرجسي يوصلنا الي بعض مشخصات الفنان و لكن بطريقه سلبيه" كالتمييز بينه و بين العصابي او الحالم في اليقظه او الزعيم، اما التفسير الايجابي فهو تلك المقدره التي تجعل من الانسان فنانا اي تفسير عبقريته، (اسماعيل،1981م،ص85)وفي كتاب «تطورالغزل بين الجاهليه و الاسلام»(ضيف،لاتا،ص464) يتحدث المؤلف حول «النرجسيه» في الشعر عامه ويقول: ما من شك في أن الانسان لايسيغ ان يلمح في شعر الغزل هذا اللون من الفخر بالذات او الاعجاب بالنفس او التمدح بالافعال، لان عاطفه الحب تقترن بالتضحيه و الايثار، و التمدح و العجب يعنيان شيئا" من الاستعلاء و مالم يجمع الشاعر بين هاتين العاطفتين جمعا" موفقا" علي مثال مافعل عنتره حين جعل فخره بنفسه سبيله الي قلب صاحبته في ابياته المشهوره(ابن شداد،لا تا ،ص23)

 

 

اثني علي بما علمت فانني                   سمح مخالقتي اذالم اظلم

فان الاعجاب و الفخر لاينزلان منزله مقبوله من شعر الغزل و لايجدان السبيل طرّيه هينه الي نفس المتذوق.

فهمنا من هذه الدراسات،ان  النزجسيه في الادب هو الفخر و الاستعلاء و الاعجاب بالنفس و التمدح بالافعال و العجب،و اكثار الشاعرمن ذکر اسمه، و لقبه، و تغزله بنفسه، وحب الاخرين له، بحيث يجعل من  نفسه بديلا من محبوبته و يتغزل بنفسه اكثر منها ويذكر جمال نفسه.ربما كان رئيف خوري اول من ادرک  النزعه النرجسيه في غزل عمر، و عرض بعده جبرائيل جبور الاصل التاريخي لهذه النزعه في الاسطوره المعروفه في الادب اليوناني، و قال ان هذا النوع من الحب، اي عشق الذات و التباهي بها، اصبح يعرف بالنرجسيه،و اشار الي ان بعض علماء النفس يرون ان هولاء الذين يحبون انفسهم اويعشقونها، يزعمون انهم مطلوبون في الحب يعشقون قبل ان يعشقوا، هم جماعه متاثرون بعامل نفسيّ سمّوه العقده النرجسيه او النرسيسيه.(نقلا عن.نقولا شقير،1986،ص714-706)

الغزل في العصر الاموي

بعد ان هدأت حده الصراع السياسي، و استقرالامر- اوكاد- لبني اميه، نري الظروف الاقتصاديه و قد تكفلت بتكمله ابعاد الصوره؛ ذلك ان اتساع رقعه الدوله و امتداد نطاق الفتوحات الاسلاميه كان خليقاً بان يترك اثره في الحياة. ازدهار العلاقات الاقتصاديه بين مكه و المدينه، و ضروب الترف، و الرفاهيه،اثرت في الحياه العامه.  كان الثراء و الفراغ قد اعانا علي التفات اهل الحضر الي ما من شانه ان يغذي نوازع المتعه، و التذوق الفني و في مقدمتهما احاديث الغزل، و مطارحات الغرام. وثمه عامل آخر لايقل عما سبق تاثيراً في غزل هذه الفتره، و هو رواج الغناء و الموسيقي و ازدهارهما.(فتوح احمد،لا تا،ص178و171).و ممالاشك فيه ان الغزل الحضري، كان نموه طبيعيا" في تلك الحجور المترفه الناعمه، التي تتطور وتتحضر تحت تاثير العناصر الاجنبيه الوافده اليها مع الجواري الروميات و الفارسيات.ازاء ذلك کله، كان شعر الغزل ياخذطريقه الي الحريه بعد ما حجر عليه طيله الفتره الصحابيه، و نهض عمر بن ابي ربيعه و شعراء آخرون، يحيون تقاليد الشاعر العربي الاول و شاعر الغزل الاول عند العرب امری القيس بن حجر، خصوصا" في قصيده الغزل.المراه العربيه في هذا العصر، هي امراه متحضره.( الحسين، تاريخ الادب العربي، العصر الاموي،1991م، ص182و173). و هذه الحضاره ، اثرت في الحياه الادبيه دون ای  شك. كما جاء في كتب تاريخ الادب، و اهم خصائص هذا العصر التي اثرت في الغزل هي:

1-  هدوء حده الصراع السياسي.

2-  ازدهار الظروف الاقتصاديه و التجاره و الفراغ و شيوع الرفاهيه والترف والاسباب الحضاريه و الماديه.

3-  حريه النساء في تعاملهن مع الرجال، والمجتمع. و حبها للرجال كما اشير اليه في بعض الكتب.

4-  شيوع الغناء و الموسيقي و الجواري و المغنيات

هذه المظاهر ساعدت علي ان يكون الغزل مزدهراً و حضرياً و علي ان يتخذالشعراء الغزل صناعه تصفوبه لذاتهم و اهواءهم و اختنانهم، فيما يتذوقون من نعيم الحضاره،و زعيم هولاء الشعراء هوعمر

حياه عمر بن ابي ربيعه

هو عمر بن عبد الله بن ابي ربيعه، حذيفه بن المغيره بن عبدالله ابن عمر بن مخزوم بن يقظه بن مره بن کعب بن لوي بن غالب بن فهر. و يكني عمر بن ابي ربيعه ابا الخطاب. كان ابوربيعه جده يسمي " ذاالرمحين" سمي بذلك لطوله، كان يقال: كانه يمشي علي رمحين.(الاصفهانی،1963م،ج1 ،ص16)" ولد عمر  في اليوم الذي توفي فيه عمر بن الخطاب سنه 23هـ . امه مجداً من حضرموت و يقال من حميد اليمن، و كان ابوه يلقب مجيراً في الجاهلية، فسماه الرسول(ص) عبدالله و اخوه الحارث بن عبدالله من ابي ربيعه يلقب القباع".مما وصلتنا من اخبار عن جد عمر بن ابي ربيعه وابيه تتضح لنا المكانه المرموقه التي احتلتها اسره عمر في المجتمع الجاهلي و من ثم الاسلامي و الاموي، فقدكانوا من اهل المكانه الماديه و المعنويه،فباالاضافه الي المراكز التي احتلها اهل عمر من مناصب الحكم، فقد كانوا علي مستوي لاباس به من الثراء المادي. لکنه قد حرم نعمه حنان الوالد، و بعد موت والده كان من الطبيعي ان يلازم الطفل امه، و يعيش في كنفها، وقد احاطته بعنايه فائقه، لتعوض عليه ماافتقره من عطف الوالد. و لعل هذا الحنان الزائد من قبل الأم، و الحرص علي حياته قد اثر في شخصيه عمرتاثيراً كبيراً، فاصبحت ملازمته لامه دليلا لانسه بمجالسه النساء ، اكثر من مجالسه الرجال و هذا هو السرالكامن في ميله الغريزي الي حب النساء و التعزل بهن.(عطوی،1990م، ص34و33).علي ايه حال ولد عمر في بيت قرشي واسع الثراء ، هوبيت بني مخزوم، و كان ابوه في الذروه من قومه ثراء ً، واستعمله الرسول(ص)والياً علي اقليم من اليمن يسمي الجند.(ضيف،تاريخ الادب العربی(العصر الاسلامی)،لاتا،ص350).انصرف عمر الي اللهو و العبث و كان له من شبابه و جماله و شاعريته و محتده و ثروته ماسهل له سبل الملذات، فلهی كثيراً وعبث كثيراً  فلم تعرض له حسناء قرشيه او غيرقرشيه الا شبب بها و شهرها.(البستانی،1997م،ص293). فهو شاعر قريش وفتاها، و لم تكن العرب تقر لقريش بالشعر حتي نبغ ابن ابي ربيعه فاقرت لها به، كما اقرت لها بالشرف و الرياسه وكان جرير اذا انشد شعر عمر قال: " هذا شعر تهامي، اذا انجد، و جد البرد"و سئل حماد الراوية عن شعره فقال: " ذالك الفستق المقشر".

الغزل العمري

    اقترن اسم عمر بن ابي ربيعه باتجاه الغزل الحسي في الحجاز، الذی لم تکن العاطفه فيه بقدر كثير من الخلوص والتجريد، فهي حسيه في فلسفتها و في غايتها، وهي حسيه في تصويرها النموذج كما هي حسيه فيما تستهدفه من هذا النموذج، غزل عمر غزل حضري بكل ما تحمله هذه الكلمه من معني، هو حضري في نموذج المراه التي يصورها و في استجابته لمقتضيات الغناء و التلحين، و حضري بتفننه في رصد نفسيه الانثي المتحضره ، و شعره من اكثراشكال الشعر الغنائي تحقيقاً لمفهوم الوحده الفنيه، و مواسم الحج في شعر عمر هي بالقدرنفسه- و من خلاله منظوره العاطفي مواسم للقاء و المشاهده و قد كثر تعرضه للحواج و التشبيب بها، و عشق الذات بالافراط في توكيدها و الانحناء عليها قديكون عرضاً مرضياً اذاتم انحراف البنيه النفسيه لدي شاعر بذاته، و يبقي لعمر- مذذلك- انه الشاعر الذي اقام للغزل ديواناً لم يشهد الشعر العربي مثل ضخامته من قبل، فاختص بهذا اللون علي نحو لم يتح لشاعر سواه، و تصرف في موسيقاه و اوزانه طبقاً لموثرات الغناء و الحانه، و افتن في رصد مشاعر الانثي المتحضره و علاقتها العاطفيه بالرجل و ابدع في ذلك كثيراً من الصور الشعريه التي تجمع بين العفويه و الفن.(فتوح احمد،لا.تا، ص178-171)

    جاء في كتاب" ادباء العرب"(البستانی ،1997م،ص302 )ان زعيم الغزل الحضري،هو عمر بن ابي ربيعه المخزومي، و قد استحق هذا اللقب لعده اسباب، منها انه اول شاعر قصرهمه علي الغزل دون غيره، نظم فيه القصائد الطوال، و اول شاعر وسع نطاق القصص و ادخل فيه الحوار التمثيلي اللذيد؛ کما کان اول شاعر تناول تصوير عواطف المراه ، و اختلاجات نفسها، و اختلاف حركاتها. و هو في دعابته و مجونه يصور الحياه الاجتماعيه في حواضر الحجاز ونری في تشبيبه و قصصه  ترف المراه المتحضره في القرن الاول للهجره و سرفها في اللهو، و لغتها الحبيه في التخاطب مع الرجل و رقتها و لينها ترينا صفه الشعر في القري خصوصاً و ميزته بعد تطوره عموماً و ابن ابي ربيعه في غزله ناعم فرح، مبتسم لعوب، اذا بكي فنادراً، و ربما كان بكاوه رقيه و عبثاً.و تدل الدراسات حول شعر عمر، انه كان بحق زعيم الغزل الحضري في العصر الاموي، وهو استقل الغزل و سرد ديوانه في الغزل فقط و جاء بغزله في اسلوب قصصي و تشابيهه في غزله حسي، و رسم في شعره الاختلاجات النفسانيه للمراه في ذلک العصر، و تغزل بفتيات قريش ثم وصف ترفهن و مظاهر الحضاره في هذا العصر، و له شذوذ عاطفي لم يوجد، اوكاد- من قبل عندالشعراء الاخرين و هو حب الذات و النرجسيه، عمر بن ابي ربيعه- ولكل هذه الاسباب التي ذكرها بطرس البستاني و فتوح احمد-فقد ادخل فی الغزل صوره جديده ، بحيث يمكننا ان نقول هو الذی  جاء بالمدرسه الغزليه في ذلک العصر.وبصوره كليه، المراه معشوقه و مطارده من عمر بن ابي ربيعه لفضلها الاجتماعي و الجمالي و هذا يتبين من خلال غزله . يحاول عمر ان يدرج نفسه في اشعاره في قائمه العشاق المتيمين من ناحيه ، و المعشوقين من ناحيه اخري و لكن المساله الثانيه توجد اكثر من الاولي.شعره مرآه تعكس فيها صوره الحياه الاجتماعيه التي سادت في ذلك العصر، اما الشعر الخاص الذي يتميزبه عمربن ابي ربيعه هو تمثيله لنفسه تمثيلاً حميماً وهو قد ركز_فضلا عن هذا_علي حياه الناس و معيشتهم والمستوی الحضاری عندهم واستعمل فی شعره التشبيه کثيرا کما ان الفاظه سهله و عذبه.

 

النرجسيه في شعر عمر بن ابي ربيعه

    النرجسيه في الادب، هي_کما سبق ان ذکرنا_ حب الذات و الاعجاب بالنفس، وهذه الظاهره لم توجد قبل عمر ابن ابي ربيعه الاعند بعض الشعراء كامري القيس بصوره اشارات قصيره الي حب الذات، لكن ليس بهذا الاتساع الموجود عند عمر. حين نورق ديوان عمرنجد في اكثر اشعاره يتحدث عن نفسه و يذكر حب النساء له و ينزل نفسه منزل المعشوق اكثر من ان يكون عاشقاً . ومن هذه الناحية يعتبر غزل عمر تطوراً في الحب، بحيث جعل العاشق مكان المعشوق . ونحاول الان استعراض الكتب التي تتناول تطور الحب و النرجسيه في شعر عمر.فقد تحدث كتاب " تطور الغزل"(فيصل،لا.تا، ص464) عن النرجسيه عند عمر و اشار الي اعجابه بالنفس و الادلال بمكانته الاجتماعيه، وتلک النزعة قد تبدو فی قسم کثير من قصائده, لكنها تتناثر علي كل حال هناو هناك و اغلب الظن انها جاء ت اثر طابع العبث الذي يغطي حب عمر. و لوكان عمر يتخد من الحب- كما راه العذريون- هذه المعركه الانسانيه بين الذات في رغباتها و بين الذات في تساميها عن الرغبات، بين شهوه الفرد و بين حصانه المجتمع، بين مفهوم الحب و بين مفهوم العفه، لو انه فعل ذلك لما استطاع ان يقول في قصيده غزل مثل هذا البيت متمدحا" مكانته:

و اني لها من فرع فهد بن مالك                              ذراه و فرع المجد للمتوسم

اما عمر فقداراد أن يستخدم مكانته الاجتماعيه لاذلال حبيبته:

يا هند عاصي الوشاه في رجل               يهتز للمجد ماجد الحسب

كما راينا ان عمر بن ابي ربيعه، سعي الي جلب التفات النساء الي نفسه باعجابه بنفسه و ادلاله بمكانته الاجتماعيه.يقول بطرس البستاني:(1997م،ص304و303)" ان عمر كان يهوي الجمال و كان صادقا في حبه للجمال أني وجده، و اذا كان يشبب احيانا بنفسه اكثر من تشبيبه بصاحبته، فذلك لانه جميل معجب بجمال صاحبته، يحبه في وجهه كما يحب في وجه غيره و قد انتقده علي ذلك بعض معاصريه، فلم يستطيعوا ان يردوه عن غروره لانه في وصفه نفسه لايتكلف تصنعا بل يتكلم بحسه، وسمعه ابن ابي عتيق ينشد شيئا" من غزله، فقاله له: انت لم تنسب بالمرأه و انما نسبت بنفسك. كان ينبغي ان تقول: قلت لها فقالت لي، فوضعت خدي فوطئت عليه. شعر عمر مراه لنفسه اللطيفه المتهالكه علي الجمال، ومراه لما في عصره من لهو و مجون ،علي هذا الاساس نحن نري البستاني يبرر نرجسيته بسب غروره و شخصيته و ليس عمر في هذا الحب للنفس و الاعجاب بها متكلفا،اما طه حسين فقد رفض حكم بعض القدماء و بعض المحدثين ايضا في غزل عمر و قدبين سبب التفات النساءاليه ، ثم قال ان عمر كان يصف نفسه كثيراً ويسرف احيانا في هذا الوصف؛ و لكن مصدر هذا لم يكن غرورا ولا فتنه و لا تيها، و انما حب النساء  اياه حقا و تهالكهن عليه حقا".(حسين،1937م، ص315و309)

    ويري شكري فيصل(لا.تا،405-403) رايا آخر، فيقول في حديثه عن الطوابع العامه في الحب" العمري " ان حب عمريكسوه في بعض مواقفه لونا من الاعجاب بالنفس و الادلال بالمكانه الاجتماعيه، و ان التمدح و العجب يعنيان شيئاً من الاستعلاء و الفخر و يذكر مظاهر هذا الفخر و يذكر نماذج كثيره يتحدث فيها عن نفسه وانه لا يصف وقع حب صاحبته في نفسه قدر مايصف و قع حبه في قلبها هي...يقول رئيف خوري في كتابه «هل يخفي القمر»؟(نقلا عن،نقولا شقير،1986م،ص146و134) انّ في عمر  «نزعه نرجسيه» ثم يذكر ميله الي «التغزل بنفسه». و يفسر ادلاله علي النساء و اعجابه بنفسه و بكونه جميلاً، كما يفسر «كثره النساء» اللواتي تغزل بهن بكون الجمال موزعا علي الكثيرات من نساء الارض، فوزع عمر شعره و أشواقه حيث وزع الجمال.. و ربما كان رئيف خوري اول من ادرک  النزعه النرجسيه في غزل عمر، و عرض بعده جبرائيل جبور، الاصل التاريخي لهده النزعه في الاسطوره المعروفه في الادب اليونانی. ان جبور لم يکتف  برصد هذه الظاهره بل قدم تحليلاً منطقياً لبروزهما في غزل  عمر و هو اقرب مايكون الي صحة تصوير الواقع.ويزعم العقاد ان تعزل عمر بنفسه يعود الي " جانب انثوي في طبعه" ويورد بعض " الشواهد" علي هذا الجانب الانثوي و يذكر ولع عمر بكلمات النساء و استمتاعه بروايتها و الابداء و الاعادة فيها، و انه كان يشبههن في تذليل نفسه و اظهار التمتع لطلباته.( نقلا عن،نقولا شقير،1986م، ص42-39)